Page 89 - web
P. 89

‫‪438‬‬  ‫الفكـر الناضـج المنضبـط بالقوانين والقيـم‪،‬‬      ‫وإعلاميـة متقنـة ومحترفـة لمواجهـة الفكـر‬       ‫إن القاعـدة التـي تقـوم عليهـا هـذه النظـرة‬
     ‫وتعـاون جميـع المؤسسـات وفـق المسـؤولية‬         ‫المتطـرف بالفكـر الوسـطي المعتـدل‪ ،‬المبسـوط‬     ‫هـي اعتقـاد توافـر الجـواب باسـتمرار‪،‬‬
     ‫المجتمعيـة‪ ،‬وشـحذ قيـم التفكري النقـدي‬                                                          ‫والظـن بأنـه يملـك الجـواب الصحيـح‬
     ‫مـن جانـب‪ ،‬والتصـدي للتطـرف الفكـري ومـا‬                                ‫في شـرعنا المطهـر‪.‬‬      ‫بالضـرورة‪ ،‬وجـواب الآخـر هـو الجـواب‬
                                                     ‫وقـد حضـرت مؤتمـ ًرا أقامتـه الجامعـة‬           ‫الخطـأ قط ًعـا‪ ،‬وهـذا يشـكل خلل ًا فاد ًحـا‬
            ‫يعتريـه مـن أضـرار مـن جانـب آخـر‪.‬‬       ‫الإسلامية بالمدينـة المنـورة بعنـوان (الإرهـاب‬  ‫وبحمـد اللـه فـإن التطـرف في بلادنـا العزيـزة‬
     ‫إن التطـرف مـن أخطـر الأمـراض التـي تفتـك‬       ‫بين تطـرف الفكـر وفكـر التطـرف) وخـرج‬           ‫المملكـة العربيـة السـعودية اليـوم يواجـه‬
     ‫بالمجتمعـات‪ ،‬تقتـل روح التسـامح بين‬             ‫بتوصيـات رائعـة لاجتثـاث التطـرف مـن‬            ‫انحسـا ًرا كبر ًيا‪ ،‬يمكـن تقديمـه كأنمـوذج‬
     ‫الناس‪ ،‬وتخلق أنما ًطا من العقول المتعصبة‬                                                        ‫للـدول الأخـرى‪ ،‬فقـد بـات ظاهـ ًرا للأعيـان‪،‬‬
     ‫المليئة بالكراهية والحقد نحو الآخر‪ ،‬وهو آفة‬                                      ‫جـذ و ر ه ‪.‬‬    ‫ويمكـن إدراك هـذه الحقيقـة سـري ًعا‪ .‬وهـي‬
     ‫اجتماعيـة وفكريـة وأخلاقيـة تمثـل الخـروج‬       ‫ولا يفوتنـي أن أعـرج على دور وجهـود‬             ‫دلالـة على نجـاح الجهـود الأمنيـة في هـذا‬
     ‫عـن القيـم والأفـكار والسـلوكيات الإيجابيـة‬     ‫جامعاتنـا السـعودية جمي ًعـا في هـذا المجـال‬    ‫المجال‪ .‬ومقارنة الفرق بين ما نحن عليه الآن‬
     ‫في مجتمـع معين‪ ،‬وفي المقابـل تبنـي قي ًمـا‬      ‫ومنهـا جامعـة نايف‪ ‬العربية‪ ‬للعلـوم‬              ‫وماكنـا عليـه سـاب ًقا‪ ،‬والمتابـع يجـد ثمـة فار ًقـا‬
     ‫ومعايري سـلبية دخيلـة على المجتمـع‪ ،‬وقـد‬        ‫الأمنيـة الجهـاز العلمـي لمجلـس وزراء‬           ‫في الخطابـات ‪ ،‬وكذلـك اختفـاء لأصـوات‬
     ‫يتحـول مـن مجـرد أفـكار إلى أفعـال ظاهريـة‬      ‫الداخليـة العـرب‪ ،‬فهـي تبـذل جهـو ًدا‬           ‫كانـت مـلء السـمع والبصـر‪ ،‬وظهـور أصـوات‬
     ‫قـد يصـل الدفـاع عنهـا إلى حـد اللجـوء إلى‬      ‫جبـارة في هـذا المجـال‪ ،‬لأنهـا باختصـار‬         ‫أخرى تملأ المشهد تسام ًحا ووسطية‪ ،‬ويعزز‬
     ‫العنـف‪ ،‬بغـرض فـرض المبـادئ التـي يؤمـن‬         ‫معنيـة بالجانـب الأمنـي‪ ،‬والناظـر لكلياتهـا‬     ‫هـذا الـرأي حركـة الإعلام والثقافـة والفنـون‬
     ‫بهـا الفكـر المتطـرف بقـوة على الآخريـن‪ ،‬وقـد‬   ‫وتخصصاتهـا يـدرك ذلـك للوهلـة الأولى‪.‬‬           ‫التـي يسـوقها المجتمـع إلى آفـاق واسـعة‪.‬‬
                                                     ‫وكذلـك الجهـود المبذولـة مـن جامعـة الـدول‬      ‫والدولـة‪ -‬أيدهـا اللـه‪ -‬بقيـادة مليكنـا المفـدى‬
       ‫تتفاقـم المسـألة لدرجـة اللجـوء للإرهـاب‪.‬‬     ‫العربيـة‪ ،‬ومجلـس وزراء الداخليـة العـرب‪،‬‬        ‫سلمان الحزم وسمو ولي عهد الأمين محمد‬
     ‫إن عمليـة التعاطـي مـع هـذه المعضلـة‬            ‫ووزارة الداخليـة السـعودية بكافـة أجنحتهـا‬      ‫الملهـم‪ ،‬ومـن خلفهـا المجتمـع الواعـي اليـوم‬
     ‫الاجتماعية العالمية ضرورة ملحة؛ فلا يجب‬         ‫وأذرعتهـا ‪ ،‬فتلـك الجهـود تذكـر فتشـكر‪،‬‬         ‫باتا يصنعان وع ًيا وفك ًرا يقودان بهما عملية‬
     ‫الاقتصـار فقـط على الجهـود الأمنيـة المبذولـة‬   ‫ولهـا أثـر واضـح في التصـدي لهـذه الآفـة‪.‬‬       ‫تحديـث ومواكبـة حضاريـة منقطعـة النظري‪،‬‬
     ‫مـن الـدول للحـد مـن خطورتهـا وانتشـارها‪،‬‬       ‫وجميعنـا يأمـل في أن نـولي اهتما ًمـا بال ًغـا‬  ‫عط ًفـا على التسـارع والتقـدم المطـرد المشـاهد‪.‬‬
     ‫بـل أصبـح مـن الضـروري نشـر وتعزيـز‬             ‫بـدور الوعـي والثقافـة والمثقفين في مواجهـة‬     ‫إن تنامـي الوعـي المجتمعـي والتلاحـم بين‬
     ‫الوعـي والتثقيـف بقيـم التسـامح بين كافـة‬       ‫التطـرف‪ ،‬ومـن ذلـك التركيـز على دورهـم‬          ‫القيـادة بالشـعب‪ ،‬حقـق قفـزات سـريعة‬
     ‫شـرائح وفئـات المجتمـع في جميـع النواحـي‪.‬‬       ‫في مواجهـة التطـرف‪ ،‬ونقـض بعـض آراء‬             ‫جـ ًدا‪ ،‬وبـات منطل ًقـا نحـو آفـاق أرحـب‬
     ‫فالتسـامح والوسـطية لا يتركان مكا ًنـا للغلـو‬   ‫وتفسريات ع ّرابـي التطـرف مـن وجهـة نظـر‬        ‫بسـبب ارتفـاع قيـم الثقافـة وزيـادة عـدد‬
     ‫والتطـرف‪ ،‬إضافـة إلى أنـه يجنـب الجميـع‬         ‫شـرعية وبشـكل علمـي؛ لكي لا يؤثـر على‬           ‫المثقفين والمفكريـن والأدبـاء والمتعلمين‪.‬‬
     ‫مخاطـر الانـزلاق في الجهـل والانغلاق‬            ‫جاذبيـة هـذه الأفـكار لـدى بعـض الشـباب‪.‬‬        ‫إن مواجهـة التطـرف مسـؤولية الجميـع‬
     ‫والتبعيـة‪ ،‬ويبعدهـم عـن التطـرف‪ ،‬ليـس‬           ‫وإذا ما تحدثنا عن الوعي والثقافة‪ ،‬فلا شك‬        ‫منظمـات وأفـرا ًدا؛ مـن خلال العمـل على‬
     ‫فقـط داخـل المجتمـع الواحـد‪ ،‬بـل حتـى في‬        ‫أن دورهمـا محـوري ومهـم جـ ًدا؛ فالتطـرف‬        ‫تعميـق رسـالة الوسـطية وترسـيخها‪ ،‬وردم‬
     ‫علاقـة المجتمعـات بعضهـا مـع بعـض على‬           ‫في أساسـه شـكل مـن أشـكال الثقافـة‪ ،‬قائـم‬       ‫الفجوة الواضحة من خلال وسائل الإعلام‪،‬‬
     ‫اختلافهـا وتنوعهـا اللغـوي والثقـافي والدينـي‪.‬‬  ‫على أسـس مختلفـة دينيـة وسياسـية أو‬             ‫وتقويـة البرامـج الإعلاميـة وتجويدهـا‪،‬‬
     ‫حمـى اللـه بلادنـا والعالـم أجمـع مـن هـذه‬      ‫اقتصاديـة ‪ ،‬وبالوعـي والتثقيـف نسـتطيع‬          ‫باختيـار البرامـج‪ ،‬وبنـاء معايري واضحـة‬
     ‫الآفـة‪ ،‬ووفـق قيادتهـا للتصـدي لهـا‪ .‬ووقـى‬      ‫تحليـل وتفكيـك الفكـر المتطـرف‪ ،‬ومـن ثـم‬        ‫لهـا‪ ،‬ومتابعـة شـبكات التواصـل الاجتماعـي‬
     ‫الجميـع شـرورها وتأثيرهـا‪ ،‬ورد كيـد مـن‬                                                         ‫مـن حيـث المحتـوى‪ ،‬وبنـاء حملات إعلانيـة‬
                                                                                        ‫نقضـه ‪.‬‬
               ‫يحملـه في نحـره ووقاهـم مكـره‪.‬‬        ‫ولعـل مـن نافلـة القـول أن التصـدي للفكـر‬
                                                     ‫المتطـرف يجـب أن يكـون بضـخ المزيـد مـن‬

     ‫‪89‬‬
   84   85   86   87   88   89   90   91   92   93   94